فصل: فصل في قصة صالح نبي ثمود عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}
عُقَيْبَ ما مضى من قصة عادٍ ذَكَرَ ثمود، وثمودهم قوم لصالح، وقد انخرطوا في الغيِّ في سِلْكِ مَنْ سَبَقَهم، فَلَحِقَتُ العقوبةُ بجميعهم. ثم أخبر أنهم قابلوا نَبِيَّهم عليه السلام بالتكذيب، ولم يقفوا على ما نبَّههم عليه من التوبة والتصديق وأصَرُّوا على الإقرار أنهم في شأنه لفي شكٍ مريب.
ثم بيَّن أنَّ صالحًا لم يُعِرِّجْ- في التبليغ- على تقصير.
وبَعْدَ تَمَرُّدِهم وامتناعهم عن الإنابةِ، وإصرارهم على تَرْكِ الإجابة حقَّ عليهم ما توعدهم به من عذاب غير مكذوب، ونجَّى نبيَّهم عليه السلام، ونجَّى مَنْ اتَّبَعَه من كل عقوبة... سُنَّةٌ منه- سبحانه- في إِنجاءِ أوليائه أمضاها، وعادةٌ في تلطفه ورحمته بالمستحقين أجراها. اهـ.

.فصل في قصة صالح نبي ثمود عليه السلام:

قال ابن كثير:
وهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم تمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وكانوا عربا من العارية يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين كما سيأتي بيانه وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبد الله ورسوله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر ابن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئا فآمنت به طائفة منهم وكفر جمهورهم ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى في سورة الأعراف: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} وقال تعالى في سورة هود: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نترك ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصحية فأصبحوا في دارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} وقال تعالى في سورة الحجر: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون فيما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقال تعالى في سورة النمل: {ولقد أرسلنا ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا أطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقال تعالى في سورة حم السجدة: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقال تعالى في سورة اقتربت: {كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال تعالى: {كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} وكثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان وسورة ص وسورة ق والنجم والفجر ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما كما قال تعالى في سورة إبراهيم: {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات} الآية الطاهران هذا من تمام كلام موسى مع قومه ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا ولا اعتنوا بحفظه وإن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه السلام وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير متقصيا ولله الحمد والمنة.
والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم وكيف نجى الله نبيه صالحا عليه السلام ومن آمن به وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم ومخالفتهم رسولهم عليه السلام قد قدمنا أنهم كانوا عربا وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان أمرهم وتعملوا بخلاف عملهم وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين أي حاذقين في صنعتها واتقانها وإحكامها فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح والعبادة له وحده لا شريك له وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته فإن عاقبة ذلك وخيمة ولهذا وعظهم بقوله: {أتتركون فيما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم} أي متراكم كثير حسن بهي ناضج {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وقال لهم أيضا: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض وجعلكم عمارها أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار فهو الخالق الرزاق فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه {فاستغفروه ثم توبوا إليه} أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم {إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا} أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة وترك ما كنا نعبده من الأنداد والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا: {أتنهانا أن نترك ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه ماذا عذركم عند الله وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن اترك دعائكم إلى طاعته وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له حتى يحكم الله بيني وبينكم وقالوا له أيضا: {إنما أنت من المسحرين} أي من المسحورين يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده وخلع ما سواه من الأنداد وهذا القول عليه الجمهور إن المراد بالمسحرين المسحورين وقيل من المسحرين أي ممن له سحر وهي الرئة كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر والأول أظهر لقولهم بعد هذا: {ما أنت إلا بشر مثلنا} وقولهم: {فأت بآية إن كنت من الصادقين} سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم قال: {هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم} وقال: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} وقال تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها}.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم فقالوا له إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها وأن تكون عشراء طويلة من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليه السلام أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به قالوا نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفظ عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه المطلوب الذي طلبوا أو على الصفة التي نعتوا فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا وقدرة باهرة ودليلا قاطعا وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ولهذا قال: {فظلموا بها} أي جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها أي أكثرهم وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس وكان من رؤساهم وهم بقية الأشراف بالإسلام قصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد والخباب صاحبا أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلمس ودعا جندع بن عمه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم فهم بالإسلام فنهاه أولئك فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو ** إلى دين النبي دعوا شهابا

عزيز ثمود كلهم جميعا ** فهم بأن يجيب ولو أجابا

لأصبح صالح فينا عزيزا ** وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا

ولكن الغواة من آل حجر ** تولوا بعد رشدهم ذآبا

ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: {هذه ناقة الله لكم آية} أضافها لله سبحانه وتعالى تشريف وتعظيم كقوله بيت الله وعبد الله لكم آية أي دليلا على صدق ما جئتكم به {فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب} فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوما بعد يوم وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ولهذا قال: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} ولهذا قال تعالى: {إنا مرسلو الناقة فتنة لهم} أي اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون والله أعلم بما يفعلون {فارتقبهم} أي انتظر ما يكون من أمرهم {واصطبر} على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر} فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم وزين لهم الشيطان أعمالهم قال الله تعالى: {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف بن جندع وكان أحمر أزرق أصهب وكان يقال إنه ولد زانية ولد على فراش سالف وهو ابن رجل يقال له صبيان وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم.
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين أن امرأتين من ثمود اسم أحداهما صدوق ابنة المحيا ابن زهير بن المختار وكانت ذات حسب ومال وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرح بن المحيا وعرضت عليه نفسها أن هو عقر الناقة واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز وتكنى أم عثمان وكانت عجوزا كافرة لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف أن هو عقر الناقة له أي بناتها شاء فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة وهم المذكورون في قوله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك فانطلقوا يرصدون الناقة فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها وجاء النساء يزمرن القبيلة في قتلها وحسرن عن وجوههن ترغيبا لهم فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهو فصيلها فصعد جبلا منيعا ودعا ثلاثا.